إن ما تبثه معظم القنوات الفضائية وكثير من مواقع الإنترنت الهدّامة من نشر للإباحية الفاضحة، وهدم للأخلاق الإنسانية، ومسحٌ للكيان الأسري والإجتماعي، إنما هو من الحرب الموجهة للإسلام، والتي لم يفتأ أصحابها في مواصلة عدائهم ومخططاتهم الشيطانية، مستغلين بذلك تراخي الحكومات وركونها إلى شؤونها السياسية والإقتصادية، وغفلة المؤمن وحرصه على الدنيا ورغباته وشهواته، وهذا مما لا يخفى على أهل الألباب.
وبغضِّ النظر عن من هم أصحاب تلك المخططات وما هي أهدافهم؟ فأن مما يجدر الإشارة إليه كيف إستطاعت تلك القنوات والمواقع أن تسلب عقل المؤمن، وأن تجرده من تعاليمه الدينية، وأعرافه الإجتماعية النبيلة.
وللإجابة على هذا السؤال فإني أرى أن هناك أسباباً متنوعة تختلف من حيث التوجه والإهتمام، هي التي أدت إلى تمكن تلك المواقع والقنوات من أهدافها المسمومة وغاياتها القبيحة وأول هذه الأسباب:
¤ الأسباب الدينية، وتتمثل هذه الأسباب فيما يلي:
1/ ضعف الوازع الديني لدى المسلمين، وإستجابتهم لنزواتهم الشيطانية، وشهواتهم الجسدية، وإستسلامهم لما يبث ويعرض لهدم دينهم وكيانهم الذي خلقوا من أجله، إذْ أن ما يبث إما أن يكون مضلاً بشبهة أو محركاً لشهوة، ويقود ذلك كله وسائل إقناع مذهله، وأدله وبراهين واهية وإن كانت عند من يصدرها حقيقة محضة، وزد على ذلك عرض الأجساد العارية، وتبادل جمل الغرام المضلَّة، وقصص الحب الخيالية والكثير من طرق الغواية، ليستقبل ذلك كله ذلك العقل الخاوي من أوامر ربه ونواهيه مع قلب رضخ لأوامر إبليس اللعين.
2/ وإن كنت لا أشك في دور العلماء وطلبة العلم والدعاة تجاه تبصير الناس عن مدى خطورة تلك القنوات والمواقع الفاسدة، إلا إني أرى أن دورهم لا زال محصوراً في مواقع الوعظ والدعوة في المساجد والمؤسسات الدعوية الأخرى، مع أن من الواجب أيضاً زيارة المواقع العسكرية، والدوائر الحكومية، والملتقيات الأدبية والإجتماعية والجلوس مع الشباب في أماكن تجمعاتهم ومقاهي الإنترنت والأرصفة وأمام الشاشات، ولا بد أيضاً من مضاعفة الجهد في إصدار المطويات والكتيبات والأشرطة التي تبين خطر مثل تلك المواقع والقنوات ومن ثم نشرها بين الناس وهو أمر لابد منه خاصة في هذا الوقت.
3/ وهو أمر مهم يجدر الإشارة إليه هو إشتراك بعض العلماء والدعاة في تقديم بعض البرامج من خلال تلك القنوات قد يجعل هناك تساؤلاًً لدى العامة وهو كيف لكم بأن تحذرونا من هذه القنوات وأنتم من يصنع بعض برامجها ويساعد في إعدادها وتقديمها، ولهم الحق في ذلك، لذا وجب الرد عليهم وتبيين أسباب الظهور عبر هذه القنوات، وتنوير مداركهم وأن المقصد هو إستغلال هذه القنوات للوصول إلى أكثر عدد من المشاهدين في جميع أنحاء العالم، ومزاحمة أهل الباطل على منابرهم ووسائلهم، وأن الظهور لا يعني الإقرار ببرامجها الهابطة أو المفسدة.
الأسباب الاجتماعية، وهي تتمثل في ما يلي:
1= ضعف الرقابة للأبناء من قبل والديهم، الأمر الذي يجعلهم عرضة لمصائد تلك القنوات والمواقع الهّدامة، وللأسف أن كثير من الآباء يتناسى أو يغفل عن دوره كأب وقدوة في بيته وبين أبناءه والله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً}..
ويقول صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته..» الحديث، فالواجب على الأب مراقبة أبناءه مراقبه لا تؤثر على مشاعرهم ونهجهم في الحياة، وملاحظة سلوكهم بين الفترة والأخرى.
2= قصور دور الوالد في إيجاد البدائل النافعة لأبنائه، وأهل بيته، خاصة وإننا جزء من مجتمع حاصرته الفتن من كل مكان، وتكالبت عليه خطط الأعداء، ومن تلك البدائل التي أرى أنه يجب على الوالد إيجادها لأبنائه، الإشتراك في القنوات الإسلامية الجيدة والنقية، وإنشاء مكتبة منزلية مجهزة بكل مقومات الراحة الممتعة، وإيجاد أجهزة الحاسب الآلي المتطورة مع ضرورة الإشراف عليها إشرافاً فعلياً من قبل الوالدين... إلى غير ذلك من البدائل، وجميعها بإذن الله تضمن خلوَّ المنزل من المحرمات والمنكرات إضافة إلى تنشئة الأبناء التنشئة الأخلاقية الصحيحة، وتلبي رغباتهم بما ينفعهم ويفيدهم.
3= ومن الأسباب الإجتماعية أيضاً التي ساعدت أصحاب المواقع والقنوات في تحقيق أهدافهم: أحجام دور المؤسسات التعليمية في بيان خطر تلك المواقع والقنوات، وإختصار دورها على إيصال المعلومة العلمية لعقل الطالب وحسب..
وللأسف أن هذا الدور يظهر جلياً في جميع المستويات التعليمية وبالأخص في المرحلة الجامعية، وكان من الواجب عرض خطورة مثل هذه المواقع والقنوات الفضائية لهؤلاء الشباب، وإعدادهم إعداداً جيداً لمواجهة ما يصدر منها من شبهات وشهوات وغيرها، فتقام المعارض التربوية في ردهاتها، وتعقد المحاضرات والجلسات مع المثقفين وأهل الدراية للإستفادة منهم نحو كيفية معالجة هذا الشر القابع بيننا.
الأسباب الاقتصادية:
1) من أهم الأسباب الإقتصادية المساعدة في هذا الجانب إنتشار البطالة في المجتمعات العربية والإسلامية بالتحديد، وزيادة وقت الفراغ لدى الشباب مع عدم تمكنهم من ملء هذا الوقت لركونهم إلى غيرهم أو لترَفهم الزائد أو لحبِّهم للكسل والخمول، والإحصائيات التي نراها كل يوم في الصحف والتي تبين زيادة نسبة البطالة خير دليل على هذا الأمر الذي يجعل الوقت المتاح أمام الشاشات وأجهزة الكمبيوتر يتضاعف بنسبة كبيرة ومخيفة أيضاً في نفس الوقت..
مع أنه كان من الأجدر إنشاء مراكز توظيف لهؤلاء الشباب وإحتواءهم الإحتواء المناسب، وإنشاء مراكز في الأحياء والمناطق خاصة بترفيه الشباب الترفيه المنظم والخالي من المحاذير الشرعية، وتجهيز المعاهد التدريبية والكليات التقنية تجهيزاً مرضياًَ لكي تخرج لنا جيلاً تقنياً مدرباً فعالاً وتقوم بأعداد مدربين للمستقبل المنتظر.
2) ومن الأسباب الإقتصادية أيضا ًوإن كان غير ملاحظ بشكل كبير: هو تمكين الشباب والشابات والذين يعيشون فترة المراهقة من المبالغ النقدية الطائلة من قبل أهليهم أو من يعولهم بدون سؤال عن سبب حاجتهم لها، ومراقبة تضمن اطمئنانهم عن مصير تلك المبالغ والتي تكون معظمهما وللأسف الشديد في الأبواب المحرمة شرعاً، أو في أمور قد تخالف العرف والعادة..
وأهونها أن تصرف تلك الأموال علي سبيل الإسراف والتبذير، مع أنه كان من الواجب تقنين ذلك التمكين من المبالغ المهولة لهؤلاء الشباب، ومراقبتهم مراقبة غير مباشرة بشرط أن لا تؤثر علي مشاعرهم لمعرفة مآل تلك المبالغ، ولا يمنع أيضاً الاستفسار عن سبب رغبتهم في تلك المبالغ وماذا ستصرف فيه.
الأسباب السياسية:
1ـ لا أدرى لماذا لا تقف الحكومات الإسلامية والعربية الموقف الواجب عليها تجاه هذه القنوات الفضائية والمواقع الإباحية الإلكترونية والتي تسعى لإفساد الشعوب والأفراد، وهذا سبب رئيسي ومهم في جعلها -أي القنوات والمواقع- تتصرف بكل ما تريد بثه أو ترغب في نشره..
مع أن هذه الحكومات تعلم بكل يقين أن أثر هذه القنوات والمواقع سلبي للغاية فهي تسعى لزعزعة عقائد الناس، وبث التفرقة والكراهية بين الحكومات وشعوبها، وترمي إلي نشر الفساد في كل بقعة من بقع الدولة، وهذا ديدنهم دائماً.
تلكم أيها الأحبة بعض الأسباب التي مكّنت القنوات الفضائية والمواقع الإباحية الإلكترونية من جعل المسلم رهينة لسمومها وشرورها، أرجو أن أكون قد وفقت في عرضها العرض المناسب والمرضي بإذن الله تعالى.
أسأل الله أن يصلح حال المسلمين.. والحمد لله رب العالمين.. والصلاة والسلام على أشرف خلق الله سيدنا محمد.. وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
الكاتب: حسين بن سعيد الحسنية.
المصدر: موقع ياله من دين.